كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {أم تريدون} أم هنا منقطعة إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها، وموقع أم أيهما، والهمزة في قوله: {ألم تعلم} ليست من أم في شئ، والتقدير: بل أتريدون {أن تسألوا} فخرج بأم من كلام إلى كلام آخر، والأصل في تريدون ترودون، لأنه من راد يرود {كما} الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف أي سؤالا كما، وما مصدرية.
والجمهور على همز: {سئل} وقد قرئ سيل بالياء، وهو على لغة من قال: أسلت تسال بغير همزة، مثل خفت تخاف، والياء منقلبة عن واو لقولهم سوال وساولته، ويقرأ سيل بجعل الهمزة بين بين أي بين الهمزة وبين الياء، لأن منها حركتها {بالإيمان} الباء في موضع نصب على الحال من الكفر تقديره: مقابلا بالإيمان، ويجوز أن يكون مفعولا بيتبدل وتكون الياء للسبب كقولك: اشتريت الثوب بدرهم {سواء السبيل} سواء ظرف بمعنى وسط السبيل وأعدله، والسبيل يذكر ويؤنث.
قوله تعالى: {لو يردونكم} لو بمعنى أن المصدرية وقد تقدم ذكرها، و{كفارا} حال من الكاف والميم، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا لأن يرد بمعنى يصير {حسدا} مصدر وهو مفعول له، والعامل فيه ود أو يردونكم {من عند أنفسهم} من متعلقة بحسدا.
أي ابتداء الحسد من عندهم، ويجوز أن يتعلق بود أو بيردونكم {حتى يأتي الله بأمره} أي اعفوا إلى هذه الغاية.
قوله تعالى: {وما تقدموا} ما شرطية في موضع نصب بتقدموا و{من خير} مثل قوله: {من آية} في {ما ننسخ} {تجدوه} أي تجدوا ثوابه فحذف المضاف و{عند الله} ظرف لتجدوا أو حال من المفعول به.
قوله تعالى: {إلا من كان} في موضع رفع بيدخل، لأن الفعل مفرغ لما بعد إلا وكان محمولا على لفظ من في الإفراد، و{هودا} جمع هايد مثل عايذ وعوذ، وهو من هاد يهود إذا تاب، ومنه قوله تعالى: {إنا هدنا إليك} وقال الفراء: أصله يهود، فحذفت الياء وهو بعيد جدا، وجمع على معنى من، و{أو} هنا لتفصيل ما أجمل، وذلك أن اليهود قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا، ولم يقل كل فريق منهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، فلما لم يفصل في قوله: {وقالوا} جاء بأو للتفصيل إذ كانت موضوعة لأحد الشيئين.
و{نصارى} جمع نصران مثل سكران وسكارى {هاتوا} فعل معتل اللام تقول في الماضي هاتى يهاتى مهاتاة، مثل رامى يرامى مراماة، وهاتوا مثل راموا وأصله: هاتيوا ثم سكنت الياء وحذفت لما ذكرنا في قوله: {اشتروا} ونظائره، وتقول للرجل في الأمر: هات مثل رام، وللمرأة هاتى مثل رامى، وعليه فقس بقية تصاريف هذه الكلمة، وهاتوا فعل متعد إلى مفعول واحد تقديره أحضروا {برهانكم} والنون في برهان أصل عند قوم لقولهم برهنت، فثبتت النون في الفعل، وزائدة عند آخرين لأنه من البره، وهو القطع، والبرهان الدليل القاطع.
قوله تعالى: {بلى} جواب النفى على ما ذكرنا في قوله: {بلى من كسب} و{أسلم} و{وجهه} {وهو} كله محمول على لفظ من وكذلك {فله أجره عند ربه} وقوله: {ولا خوف عليهم} محمول على معناها.
قوله تعالى: {وهم يتلون الكتاب} في موضع نصب على الحال، والعامل فيها قالت، وأصل يتلون يتلوون، فسكنت الواو ثم حذفت لالتقاء الساكنين {كذلك قال} الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف منصوب، بقال وهو مصدر مقدم على الفعل، التقدير: قولا مثل قول اليهود والنصارى قال الذين لا يعلمون، فعلى هذا الوجه يكون {مثل قولهم} منصوبا بيعلمون، أو بقال على أنه مفعول به، ويجوز أن يكون الكاف في موضع رفع بالابتداء، والجملة بعده خبر عنه والعائد على المبتدإ محذوف تقديره قاله فعلى هذا يكون قوله: {مثل قولهم} صفة لمصدر محذوف، أو مفعولا ليعلمون، والمعنى: مثل قول اليهود والنصارى قال الذين لا يعلمون اعتقاد اليهود والنصارى، ولا يجوز أن يكون مثل قولهم مفعول قال، لأنه قد استوفى مفعوله وهو الضمير المحذوف، و{فيه} متعلق ب {يختلفون}.
قوله تعالى: {ومن أظلم} من استفهام في معنى النفى، وهو رفع بالابتداء، وأظلم خبره، والمعنى: لاأحد أظلم {ممن منع} من نكرة موصوفة أو بمعنى الذي {أن يذكر} فيه ثلاثة أوجه: أحدها هو في موضع نصب على البدل من مساجد بدل الاشتمال تقديره: ذكر اسمه فيها، والثانى أن يكون في موضع نصب على المفعول له تقديره: كراهية أن يذكر، والثالث أن يكون في موضع جر تقديره: من أن يذكر، وتتعلق من إذا ظهرت بمنع كقولك، منعته من كذا، وإذا حذف حرف الجر مع أن بقى الجر، وقيل يصير في موضع نصب، وقد ذكرنا ذلك في قوله: {لا يستحيى أن يضرب} {وسعى في خرابها} خراب اسم للتخريب، مثل السلام اسم للتسليم، وليسم باسم للجثة، وقد أضيف اسم المصدر إلى المفعول لأنه يعمل عمل المصدر {إلا خائفين} حال من الضمير في يدخلوها {لهم في الدنيا} جملة مستأنفة وليست حالا مثل خائفين، لأن استحقاقهم الخزى ثابت في كل حال، لا في حال دخولهم المساجد خاصة.
قوله تعالى: {ولله المشرق والمغرب} هما موضع الشروق والغروب {فأينما} شرطية، و{تولوا} مجزوم به، وهو الناصب لأين، والجواب {فثم} وقرئ في الشاذ {تولوا} بفتح التاء، وفيه وجهان: أحدهما هو مستقبل أيضا، وتقديره: تتولوا، فحذف التاء الثانية، والثانى أنه ماض والضمير للغائبين، والتقدير: أينما يتولون، وقيل يجوز أن يكون ماضيا قد وقع، ولايكون أين شرطا في اللفظ بل في المعنى، كما تقول: ما صنعت صنعت، إذا أردت الماضي، وهذا ضعيف لأن أين إما استفهام وإما شرط، وليس لها معنى ثالث.
وثم اسم للمكان البعيد عنك، وبنى لتضمنه معنى حرف الإشارة، وقيل بنى لتضمنه معنى حرف الخطاب، لأنك تقول في الحاضر هنا وفى الغائب هناك، وثم ناب عن هناك.
قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولدا} يقرأ بالواو عطفا على قوله: {وقالوا لن يدخل الجنة} ويقرأ بغير واو على الاستئناف {كل له} تقديره: كل أحد منهم أو كلهم، لأن الأصل في كل أن تستعمل مضافة، ومن هنا ذهب جمهور النحويين إلى منع دخول الألف واللام على كل، لأن تخصيصها بالمضاف إليه، فإذا لم يكن ملفوظا به كان في حكم الملفوظ به، وحمل الخبر على معنى كل، فجمعه في قوله: {قانتون} ولو قال قانت جاز على لفظ كل.
قوله تعالى: {بديع السموات} أي مبدعها، كقولهم سميع بمعنى مسمع، والإضافة هنا محضة لأن الإبداع لهماماض {وإذا قضى} إذا ظرف، والعامل فيها ما دل عليه الجواب تقديره: وإذا قضى أمرا يكون.
قوله تعالى: {فيكون} الجمهور على الرفع عطفا على يقول، أو على الاستئناف أي فهو يكون، وقرئ بالنصب على جواب لفظ الأمر، وهو ضعيف لوجهين: أحدهما أن كن ليس بأمر على الحقيقة، إذ ليس هناك مخاطب به، وإنما المعنى على سرعة التكون، يدل على ذلك أن الخطاب بالتكون لا يرد على الموجود، لإن الموجود متكون، ولا يرد على المعدوم لأنه ليس بشئ، لا يبقى إلا لفظ الأمر، ولفظ الأمر يرد ولا يراد به حقيقة الأمر كقوله: {أسمع بهم وأبصر} وكقوله: {فليمدد له الرحمن}.
والوجه الثاني أن جواب الأمر لابد أن يخالف الأمر إما في الفعل أو في الفاعل أو فيهما، فمثال ذلك قولك: اذهب ينفعك زيد، فالفعل والفاعل في الجواب غيرهما في الأمر، وتقول: اذهب يذهب زيد، فالفعلان متفقان والفاعلان مختلفان وتقول، اذهب تنتفع، فالفاعلان متفقان والفعلان مختلفان، فأما أن يتفق الفعلان والفاعلان فغير جائز كقولك: اذهب تذهب، والعلة فيه أن الشيء لا يكون شرطا لنفسه.
قوله تعالى: {لولا يكلمنا الله} لولا هذه إذا وقع بعدها المستقبل كانت تحضيضا وإن وقع بعدها الماضي كانت توبيخا، وعلى كلا قسميها هي مختصة بالفعل، لأن التحضيض والتوبيخ لا يردان إلا على الفعل {كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم} ينقل من إعراب الموضع الأول إلى هنا ما يحتمله هذا الموضع.
قوله تعالى: {إنا أرسلناك بالحق} الجار والمجرور في موضع نصب على الحال من المفعول تقديره: أرسلناك، ومعك الحق، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل، أي ومعنا الحق، ويجوز أن يكون مفعولا به أي بسبب إقامة الحق {بشيرا ونذيرا} حالان {ولا تسئل} من قرأ بالرفع وضم التاء فموضعه حال أيضا: أي وغير مسئول.
ويجوز أن يكون مستأنفا، ويقرأ بفتح التاء وضم اللام وحكمها حكم القراءة التي قبلها ويقرأ بفتح التاء والجزم على النهى.
قوله تعالى: {هو الهدى} هو يجوز أن يكون توكيدا لاسم إن وفصلا ومبتدأ، وقد سبق نظيره {من العلم} في موضع نصب على الحال من ضمير الفاعل في جاءك.
قوله تعالى: {الذين آتيناهم} الذين مبتدأ، وآتيناهم صلته، و{يتلونه} حال مقدرة من هم أو من الكتاب، لأنهم لم يكونوا وقت إتيانه تالين له، و{حق} منصوب على المصدر، لأنها صفة للتلاوة في الأصل، لأن التقدير، تلاوة حقا، وإذا قدم وصف المصدر وأضيف إليه انتصب نصب المصدر، ويجوز أن يكون وصفا لمصدر محذوف، و{أولئك} مبتدأ، و{يؤمنون به} خبره، والجملة خبر الذين، ولا يجوز أن يكون يتلونه خبر الذين، لأنه ليس كل من أوتى الكتاب تلاه حق تلاوته، لأن معنى حق تلاوته العمل به، وقيل يتلونه الخبر، والذين آتيناهم لفظه عام، والمراد به الخصوص، وهو كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، أو يراد بالكتاب القرآن.
قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم} إذ في موضع نصب على المفعول به: أي اذكر، والألف في ابتلى منقلبة عن واو، وأصله من بلى يبلو إذا اختبر.
وفى إبراهيم لغات: إحداها إبراهيم بالألف والياء، وهو المشهور، وإبراهم كذلك، إلا أنه تحذف الياء، وإبراهام، بألفين، وإبراهم بألف واحدة وضم الهاء، وبكل قرئ، وهو اسم أعجمى معرفة، وجمعه أباره عند قوم، وعند آخرين براهم، وقيل فيه أبارهة وبراهمة.
قوله تعالى: {جاعلك} يتعدى إلى مفعولين، لأنه من جعل التي بمعنى صير، و{للناس} يجوز أن يتعلق بجاعل: أي لأجل الناس، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال، والتقدير: إماما للناس، فلما قدمه نصبه على ما ذكرنا {قال ومن ذريتي} المفعولان محذوفان، والتقدير: اجعل فريقا من ذريتي إماما {لا ينال عهدي الظالمين} هذا هو المشهور على جعل العهد هو الفاعل، ويقرأ الظالمون على العكس، والمعنيان متقاربان، لأن كل مانلته فقد نالك.
قوله تعالى: {وإذ جعلنا} مثل وإذ ابتلى، وجعل هاهنا يجوز أن يكون بمعنى صير، ويجوز أن يكون بمعنى خلق أو وضع، فيكون {مثابة} حالا، وأصل مثابة مثوبة، لأنه من ثاب يثوب إذا رجع، و{للناس} صفة لمثابة، ويجوز أن يتعلق بجعلنا ويكون التقدير: لأجل نفع الناس {واتخذوا} يقرأ على لفظ الخبر، والمعطوف عليه محذوف تقديره: فثابوا واتخذوا، ويقرأ على لفظ الأمر فيكون على هذا مستأنفا، و{من مقام} يجوز أن يكون من للتبعيض: أي بعض مقام إبراهيم مصلى، ويجوز أن تكون من بمعنى في، ويجوز أن تكون زائدة على قول الأخفش، و{مصلى} مفعول اتخذوا، وألفه منقلبة عن واو، ووزنه مفعل وهو مكان لا مصدر، ويجوز أن يكون مصدرا وفيه حذف مضاف تقديره: مكان مصلى، أي مكان صلاة، والمقام موضع القيام، وليس بمصدر هنا لأن قيام إبراهيم لا يتخذ مصلى {أن طهرا} يجوز أن تكون أن هنا بمعنى أي المفسرة، لأن {عهدنا} بمعنى قلنا والمفسرة: ترد بعد القول، وما كان في معناه فلا موضع لها على هذا، ويجوز أن تكون مصدرية، وصلتها الأمر، وهذا مما يجوز أن يكون صلة في أن دون غيرها، فعلى هذا يكون التقدير بأن طهرا فيكون موضعها جرا أو نصبا على الاختلاف بين الخليل وسيبويه، و{السجود} جمع ساجد، وقيل هو مصدر، وفيه حذف مضاف: أي الركع ذوى السجود.
قوله تعالى: {اجعل هذا بلدا} اجعل بمعنى صير، وهذا المفعول الأول، وبلدا المفعول الثاني، و{آمنا} صفة المفعول الثاني، وأما التي في إبراهيم فتذكر هناك {من آمن} {من} بدل من أهله، وهو بدل بعض من كل {ومن كفر} في من وجهان: أحدهما هي بمعنى الذى، أو نكرة موصوفة وموضعها نصب، والتقدير قال وأرزق من كفر، وحذف الفعل لدلالة الكلام عليه {فأمتعه} عطف على الفعل المحذوف، ولا يجوز أن يكون من على هذا مبتدأ وفأمتعه خبره، لأن الذي لا تدخل الفاء في خبرها إلا إذا كان الخبر مستحقا بصلتها، كقولك: الذي يأتيني فله درهم، والكفر لا يستحق به التمتيع، فإن جعلت الفاء زائدة على قول الأخفش جاز، وإن جعلت الخبر محذوفا وفأمتعه دليلا عليه جاز تقديره: ومن كفر أرزقه فأمتعه.
والوجه الثاني أن تكون من شرطية والفاء جوابها، وقيل الجواب محذوف تقديره: ومن كفر أرزقه ومن على هذا رفع بالابتداء، ولا يجوز أن تكون منصوبة لأن أداة الشرط لا يعمل فيها جوابها بل الشرط، وكفر على الوجهين بمعنى يكفر، والمشهور فأمتعه بالتشديد وضم العين لما ذكرناه من أنه معطوف أو خبر، وقرئ شإذا بكسر العين، وفيه وجهان: أحدهما أنه حذف الحركة تخفيفا لتوالى الحركات، والثانى أنه تكون الفاء زائدة وأمتعه جواب الشرط: ويقرأ بتخفيف التاء وضم العين وإسكانها على ما ذكرناه، ويقرأ فأمتعه على لفظ الأمر، وعلى هذا يكون من تمام الحكاية عن إبراهيم {قليلا} نعت لمصدر محذوف أو لظرف محذوف {ثم أضطره} الجمهور على رفع الراء، وقرئ بفتحها، ووصل الهمزة على الأمر كما تقدم {وبئس المصير} المصير فاعل بئس والمخصوص بالذم محذوف تقديره وبئس المصير النار.
قوله تعالى: {من البيت} في موضع نصب على الحال من القواعد: أي كائنة من البيت، ويجوز أن يكون في موضع نصب مفعولا به بمعنى رفعها عن أرض البيت والقواعد جمع قاعدة، وواحد قواعد النساء قاعد {وإسماعيل} معطوف على إبراهيم والتقدير يقولان {ربنا} ويقولان هذه في موضع الحال، وقيل إسماعيل مبتدأ والخبر محذوف تقديره: يقول ربنا، لأن البانى كان إبراهيم والداعى كان إسماعيل.
قوله تعالى: {مسلمين لك} مفعول ثان، ولك متعلق بمسلمين، لأنه بمعنى نسلم لك: أي نخلص، ويجوز أن يكون نعتا: أي مسلمين عاملين لك {ومن ذريتنا} يجوز أن تكون {من} لابتداء غاية الجعل، فيكون مفعولا ثانيا، و{أمة} مفعول أول، و{مسلمة} نعت لأمة، و{لك} على ما تقدم في مسلمين، ويجوز أن تكون أمة مفعولا أول، ومن ذريتنا نعتا لأمة تقدم عليها فانتصب على الحال، ومسلمة مفعولا ثانيا، والواو داخلة في الأصل على أمة، وقد فصل بينهما بقوله: {ومن ذريتنا} وهو جائز لأنه من جملة الكلام المعطوف {وأرنا} الأصل أرئنا، فحذفت الهمزة التي هي عين الكلمة في جميع تصاريف الفعل المستقبل تخفيفا، وصارت الراء متحركة بحركة الهمزة، والجمهور على كسر الراء، وقرئ بإسكانها وهو ضعيف، لأن الكسرة هنا تدل على الياء المحذوفة، ووجه الإسكان أن يكون شبه المنفصل بالمتصل، فسكن كما سكن فخذ وكتف، وقيل لم يضبط الراوى عن القارئ لأن القارئ اختلس فظن أنه سكن، وواحد المناسك منسك ومنسك، بفتح السين وكسرها.
قوله تعالى: {وابعث فيهم} ذكر على معنى الأمة، ولو قال فيها لرجع إلى لفظ الأمة {يتلو عليهم} في موضع نصب صفة لرسول، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في منهم والعامل في الاستقرار.
قوله تعالى: {ومن يرغب} من استفهام بمعنى الإنكار، ولذلك جاءت إلا بعدها لأن المنكر منفى، وهى في موضع رفع بالابتداء، ويرغب الخبر، وفيه ضمير يعود على من {إلا من} {من} في موضع نصب على الاستثناء، ويجوز أن يكون رفعا بدلا من الضمير في يرغب، ومن نكرة موصوفة أو بمعنى الذى، و{نفسه}.
مفعول سفه، لأن معناه جهل، تقديره: إلا من جهل خلق نفسه أو مصيرها، وقيل التقدير: سفه بالتشديد، وقيل التقدير في نفسه.
وقال الفراء: هو تمييز، وهو ضعيف لكونه معرفة {في الآخرة} متعلق بالصالحين: أي وإنه من الصالحين في الآخرة، والألف واللام على هذا للتعريف لا بمعنى الذى، لأنك لو جعلتها بمعنى الذي لقدمت الصلة على الموصول، وقيل هي بمعنى الذى، وفى متعلق بفعل محذوف يبينه الصالحين، تقديره: إنه لصالح في الآخرة، وهذا يسمى التبيين، ونظيره:
ربيته حتى إذا تمعددا ** كان جزائي بالعصا أن أجلدا

تقديره: كان جزائي الجلد بالعصا، وهذا كثير في القرآن والشعر.
قوله تعالى: {إذ قال له} إذ ظرف لاصطفيناه، ويجوز أن يكون بدلا من قوله: {في الدنيا} ويجوز أن يكون التقدير: اذكر إذ قال: {لرب العالمين} مقتضى هذا اللفظ أن يقول: أسلمت لك، لتقدم ذكر الرب، إلا أنه أوقع المظهر موقع المضمر تعظيما، لأن فيه ما ليس في اللفظ الأول، لأن اللفظ الأول يتضمن أنه ربه، وفى اللفظ الثاني اعترافه بأنه رب الجميع.
قوله تعالى: {ووصى بها} يقرأ بالتشديد من غير ألف، وأوصى بالألف وهما بمعنى واحد، والضمير في بها يعود إلى الملة {ويعقوب} معطوف على إبراهيم، ومفعوله محذوف تقديره: وأوصى يعقوب بنيه، لأن يعقوب أوصى بنيه أيضا، كما أوصى إبراهيم بنيه، ودليل ذلك قوله: {إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى} والتقدير: قال يا بنى، فيجوز أن يكون إبراهيم قال يا بنى، ويجوز أن يكون يعقوب، والألف في {اصطفى} بدل من ياء بدل من واو، وأصله من الصفوة، والواو إذا وقعت رابعا فصاعدا قلبت ياء، ولهذا تمال الألف في مثل ذلك {فلا تموتن} النهى في اللفظ عن الموت، وهو في المعنى على غير ذلك: والتقدير: لا تفارقوا الإسلام حتى تموتوا {وأنتم مسلمون} في موضع الحال، والعامل الفعل قبل إلا.
قوله تعالى: {أم كنتم} هي المنقطعة: أي بل أكنتم {شهداء} على جهة التوبيخ {إذ حضر} يقرأ بتحقيق الهمزتين على الأصل وتليين الثانية وجعلها بين بين، ومنهم من يخلصها ياء لانكسارها والجمهور على نصب {يعقوب} ورفع {الموت} وقرئ بالعكس والمعنيان متقاربان، وإذ الثانية بدل من الأولى، والعامل في الأولى شهداء فيكون عاملا في الثانية، ويجوز أن تكون الثانية ظرفا لحضر فلا يكون على هذا بدلا، و{ما} استفهام في موضع نصب ب {تعبدون} و{ما} هنا بمعنى من ولهذا جاء في الجواب إلهك، ويجوز أن تكون {ما} على بابها، ويكون ذلك امتحانا لهم من يعقوب، و{من بعدى} أي من بعد موتى فحذف المضاف {وإله آبائك} أعاد ذكر الإله لئلا يعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، والجمهور على آبائك على جمع التكسير، و{إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} بدل منهم، ويقرأ: {وإله أبيك} وفيه وجهان: أحدهما هو جمع تصحيح حذفت منه النون للإضافة، وقد قالوا: أب وأبون وأبين، فعلى هذه القراءة تكون الأسماء بعدها بدلا أيضا.
والوجه الثاني أن يكون منفردا، وفيه على هذا وجهان: أحدهما أن يكون مفردا في اللفظ مرادا به الجمع.
والثانى أن يكون مفردا في اللفظ والمعنى، فعلى هذا يكون إبراهيم بدلا منه، وإسماعيل وإسحاق عطفا على أبيك، تقديره: وإله إسماعيل وإسحاق {إلها واحدا} بدل من إله الأول، ويجوز أن يكون حالا موطئة كقولك: رأيت زيدا رجلا صالحا.
وإسماعيل يجمع على سماعلة وسماعيل وأساميع.
قوله تعالى: {تلك أمة} الاسم منها تى وهى من أسماء الإشارة للمؤنث، والياء من جملة الاسم، وقال الكوفيون: التاء وحدها الاسم، والياء زائدة، وحذفت الياء مع اللام لسكونها وسكون اللام بعدها.
فإن قيل: لم لم تكسر اللام وتقرأ الياء كما فعل في ذلك؟ قيل ذلك يؤدى إلى الثقل لوقوع الياء بين كسرتين، وموضعها رفع بالابتداء، وأمة خبرها، و{قد خلت} صفة لأمة، و{لها ما كسبت} في موضع الصفة أيضا، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في خلت، ويجوز أن يكون مستأنفا {ولا تسئلون} مستأنف لاغير، وفى الكلام حذف تقديره: ولايسئلون عما كنتم تعملون، ودل على المحذوف قوله: {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم}.
قوله تعالى: {أو نصارى} الكلام في {أو} هاهنا كالكلام فيها في قوله: {وقالوا لن يدخل الجنة} لأن التقدير: قالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى {ملة إبراهيم} تقديره: بل نتبع ملة إبراهيم، أو قل اتبعوا ملة، و{حنيفا} حال من إبراهيم، والحال من المضاف إليه ضعيف في القياس قليل في الاستعمال، وسبب ذلك أن الحال لابد لها من عامل فيها، والعامل فيها هو العامل في صاحبها، ولا يصح أن يعمل المضاف في مثل هذا في الحال، ووجه قول من نصبه على الحال أنه قدر العامل معنى اللام أو معنى الإضافة وهو المصاحبة والملاصقة، وقيل حسن جعل حنيفا حالا، لأن المعنى نتبع إبراهيم حنيفا، وهذا جيد لأن الملة هي الدين والمتبع إبراهيم، وقيل هو منصوب بإضمار أعنى.
قوله تعالى: {من ربهم} الهاء والميم تعود على النبيين خاصة، فعلى هذا يتعلق من بأوتى الثانية، وقيل تعود إلى موسى وعيسى أيضا، ويكون {وما أوتى} الثانية تكريرا، وهو في المعنى مثل التي في آل عمران.
فعلى هذا يتعلق من بأوتى الأولى وموضع من نصب على أنها لابتداء غاية الإيتاء، ويجوز أن يكون موضعها حالا من العائد المحذوف تقديره: وماأوتيه النبيون كائنا من ربهم، ويجوز أن يكون ما أوتى الثانية في موضع رفع بالابتداء، ومن ربهم خبره {بين أحد} أحد هنا هو المستعمل في النفى، لأن بين لا تضاف إلا إلى جمع أو إلى واحد معطوف عليه، وقيل أحد هاهنا بمعنى فريق.
قوله تعالى: {بمثل ما آمنتم به} الباء زائدة، ومثل صفة لمصدر محذوف تقديره: إيمانا مثل إيمانكم، والهاء ترجع إلى الله أو القرآن أو محمد، وما مصدرية ونظير زيادة الباء هنا زيادتها في قوله: {جزاء سيئة بمثلها} وقيل مثل هنا زائدة، وما بمعنى الذى، وقرأ ابن عباس {بما آمنتم به} بإسقاط مثل.
قوله تعالى: {صبغة الله} الصبغة هنا الدين، وانتصابه بفعل محذوف: أي اتبعوا دين الله، وقيل هو إغراء، أي عليكم دين الله، وقيل هو بدل من ملة إبراهيم {ومن أحسن} مبتدأ وخبر، و{من الله} في موضع نصب، و{صبغة} تمييز.
قوله تعالى: {أم يقولون} يقرأ بالياء ردا على قوله: {فسيكفيكهم الله} وبالتاء ردا على قوله: {أتحاجوننا}.
{هودا أو نصارى} أو هاهنا مثلها في قوله: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى} أي قالت اليهود كان هؤلاء الأنبياء هودا، وقالت النصارى كانوا نصارى {أم الله} مبتدأ والخبر محذوف: أي أم الله أعلم، وأم هاهنا المتصلة، أي أيكم أعلم، وهو استفهام بمعنى الإنكار {كتم شهادة} كتم يتعدى إلى مفعولين وقد حذف الأول منهما هنا تقديره: كتم الناس الشهادة، فعلى هذا يكون {عنده} صفة لشهادة، وكذلك {من الله} ولا يجوز أن تعلق من بشهادة لئلا يفصل بين الصلة والموصول بالصفة، ويجوز أن يجعل عنده ومن الله صفتين لشهادة، ويجوز أن تجعل من ظرفا للعامل في الظرف الأول، وأن تجعلها حالا من الضمير في عنده.
قوله تعالى: {السفهاء من الناس} من الناس في موضع نصب على الحال، والعامل فيه يقول: {ما ولاهم} ابتداء وخبر في موضع نصب بالقول: {كانوا عليها} فيه حذف مضاف تقديره: على توجهها أو على اعتقادها.
قوله تعالى: {وكذلك} الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف تقديره: ومثل هدايتنا من نشاء {جعلناكم} وجعلنا بمنزلة صيرنا، و{على الناس} يتعلق بشهداء {القبلة} هي المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف، و{التى} صفة ذلك المحذوف، والتقدير: وما جعلنا القبلة القبلة التى، وقيل التي صفة للقبلة المذكورة، والمفعول الثاني محذوف تقديره: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة {من يتبع} من بمعنى الذي في موضع نصب بنعلم، و{ممن ينقلب} متعلق بنعلم، والمعنى ليفصل المتبع من المنقلب، ولا يجوز أن يكون من استفهاما، لأن ذلك يوجب أن تعلق نعلم عن العمل، وإذا علقت عنه لم يبق لمن ما يتعلق به، لأن ما بعد الاستفهام لا يتعلق بما قبله، ولا يصح تعلقها بيتبع لأنها في المعنى متعلقة بنعلم، وليس المعنى: أي فريق يتبع ممن ينقلب {على عقبيه} في موضع نصب على الحال: أي راجعا {وإن كانت} إن المخففة من الثقيلة، واسمها محذوف، واللام في قوله: {لكبيرة} عوض من المحذوف، وقيل فصل باللام بين إن المخففة من الثقيلة وبين غيرها من أقسام إن.
وقال الكوفيون: إن بمعنى ما، واللام بمعنى إلا، وهو ضعيف جدا من جهة أن وقوع اللام بمعنى إلا لا يشهد له سماع ولا قياس، واسم كان مضمر دل عليه الكلام تقديره: وإن كانت التولية أو الصلاة أو القبلة {إلا على الذين} على متعلقة بكبيرة، ودخلت إلا للمعنى، ولم يغير الإعراب {وما كان الله ليضيع} خبر كان محذوف، واللام متعلقة بذلك المحذوف تقديره: وما كان الله مريدا لأن يضيع إيمانكم، وهذا متكرر في القرآن، ومثله {لم يكن الله ليغفر لهم} وقال الكوفيون: ليضيع هو الخبر.
واللام داخلة للتوكيد، وهو بعيد، لأن اللام لام الجر، وأن بعدها مرادة فيصير التقدير على قولهم: ماكان لله إضاعة إيمانكم {رءوف} يقرأ بواو بعد الهمزة مثل شكور، ويقرأ بغير واو مثل يقظ وفطن، وقد جاء في الشعر:
بالرؤف الرحيم

قوله تعالى: {قد نرى} لفظه مستقبل، والمراد به المضى، و{في السماء} متعلق بالمصدر، ولو جعل حالا من الوجه لجاز: {فول} يتعدى إلى مفعولين، فالأول {وجهك} والثانى {شطر المسجد} وقد يتعدى إلى الثاني بإلى كقولك: ولى وجهه إلى القبلة، وقال النحاس: شطر هنا ظرف لأنه بمعنى الناحية {وحيث} ظرف لولوا، وإن جعلتها شرطا انتصب ب {كنتم} لأنه مجزوم بها وهى منصوبة به {أنه الحق من ربهم} في موضع الحال، وفى أول السورة مثله.
قوله تعالى: {ولئن أتيت} اللام موطئة للقسم: وليست لازمة بدليل قوله: {وإن لم ينتهوا عما يقولون} {ما تبعوا} أي لا يتبعوا، فهو ماض في معنى المستقبل ودخلت ما حملا على لفظ الماضي، وحذفت الفاء في الجواب لأن فعل الشرط ماض، وقال الفراء: إن هنا بمعنى لو، فلذلك كانت ما في الجواب وهو بعيد، لأن إن للمستقبل ولو للماضي إذن حرف، والنون فيه أصل، ولا تستعمل إلا في الجواب، ولا تعمل هنا شيئا لأن عملها في الفعل ولا فعل.
قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب} مبتدأ، و{يعرفونه} الخبر، ويجوز أن يكون الذين بدلا من الذين أوتوا الكتاب في الآية قبلها، ويجوز أن يكون بدلا من الظالمين، فيكون يعرفونه حالا من الكتاب أو من الذين، لأن فيه ضميرين راجعين عليهما، ويجوز أن يكون نصبا على تقدير أعنى ورفعا على تقديرهم {كما} صفة لمصدر محذوف، وما مصدرية.
قوله تعالى: {الحق من ربك} ابتداء وخبر، وقيل الحق خبر مبتدأ محذوف تقديره: ماكتموه الحق أو ما عرفوه، وقيل هو مبتدأ والخبر محذوف تقديره: يعرفونه أن يتلونه، ومن ربك على الوجهين حال، وقرأ على عليه السلام {الحق} بالنصب بيعلمون.
قوله تعالى: {ولكل وجهة} وجهة مبتدأ ولكل خبره، والتقدير: لكل فريق وجهة، جاء على الأصل، والقياس جهة مثل عدة وزنة، والوجهة مصدر في معنى المتوجه إليه، كالخلق بمعنى المخلوق، وهى مصدر محذوف الزوائد، لأن الفعل توجه أو اتجه، والمصدر التوجه أو الاتجاه، ولم يستعمل منه وجه كوعد {هو موليها} يقرأ بكسر اللام، وفى هو وجهان: أحدهما هو ضمير اسم الله، والمفعول الثاني محذوف: أي الله مولى تلك الجهة ذات الفريق أي يأمره بها.
والثانى هو ضمير كل: أي ذلك الفريق مولى الوجهة نفسه، ويقرأ مولاها بفتح اللام، وهو على هذا هو ضمير الفريق، ومولى لما لم يسم فاعله، والمفعول الأول هو الضمير المرفوع فيه، وها ضمير المفعول الثاني، وهو ضمير الوجهة، وقيل للتولية، ولا يجوز أن يكون هو على هذه القراءة ضمير اسم الله لاستحالة ذلك في المعنى، والجملة صفة لوجهة، وقرئ في الشاذ {ولكل وجهة} بإضافة كل لوجهة، فعلى هذا تكون اللام زائدة، والتقدير: كل وجهة الله موليها أهلها، وحسن زيادة اللام تقدم المفعول وكون العامل اسم فاعل {أينما} ظرف ل {تكونوا}.